٢٣يوليو٢٠١٤
أغرت عملية الهجرة إلى دول العالم المختلفة الكثير من السودانيين وبخاصة فئات الشباب من الوصول إلى القاهرة ، بإعتبارها محطة رئيسية للإنطلاق عبرها الى تلك الدول ، وقد هاجر عشرات الآلف من أسلافهم عبر القاهرة، منذ بداية التسعينات في أعقاب إستيلاء الإسلاميين للسلطة في السودان في يونيو من العام 1989م، وتسبب الإنقلابيون في تشريد الملايين من السودانين بداية من الإعتقال والتعذيب في السجون والفصل من الخدمة تحت دعاوي “الصالح العام”، لتحقيق مشروع التمكين حيث تمددت كوادرهم على مفاصل الدولة .
ووطن الإسلاميون اخوتهم من كل بقاع العالم داخل الأراضي السودانية كان أبرزهم الشيخ أسامة بن لادن ، حتى أدرج السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب ولازال، وهذه العوامل وغيرها مجتمعة دفعت بعض السودانيين لبيع أملاكهم والتفكير في الهجرة “مضطرين”، للبحث عن سبل كسب العيش وضمان مستقبل أبنائهم ، ولكن تقلصت فرص الهجرة،بعد أن إنتفت شروط إعادة توطين السودانين للخارج ـ بحسب لوائح المفوضية السامية لشئون اللاجئيين ـ بإعتبار أن السودان بدأ يشهد إستقراراً حيث الفرقاء السودانيين إتفاقية السلام الشامل في 2005م التي أنهت أطول حروب القارة الأفريقية، أعقبها توقيع إتفاقية القاهرة بين الحكومة السودانية والمعارضة ، ولكن مع ذلك زادت موجات اللجوء إلى القاهرة بسبب إرتفاع نسبة العطالة وضيق فرص العمل، فسلك الشباب ذات الطريق الذي أوصل أسلافهم إلى أوربا، كندا، أمريكا وأستراليا وغيرها من دول المهجر.
إصطدم عدد من السودانيين في محاولة الهجرة بواقع مرير وظروف معيشية قاسية بعضهم وقع فريسة لشبكات الإحتيال وعصابات الإتجار بالبشر ، ومن بين هؤلاء قصة ياسر ابراهيم يحى (27 ) عاماً الذي وقع ضحية احتيال في يد عصابة الاتجار بالبشر ، ويرويها احد الذين نجوا من عصابة الاتجار بالبشر والذي دفع مبلغاً لاخلاء سبيله منه وطلب حجب اسمه في حديثه لشبكة ( عاين ) خوفاً على حياته ، حيث قال ان ياسر تعرف على بعض السودانيين لم يكن يعلم انهم سماسرة استدرجوه بايهامه بانه سوف يحصل على عمل ومرتب مغري ، ويضيف ( بعد ان حصلوا على موافقة ياسر قادوه بسيارة وانطلقوا به الى منطقة تبعد ( 100 كلم )من القاهرة وتم تسليمه الى رجلين ومن هنا تبدأ قصة العذاب ) ، ويشير الى ان من استلموا الضحية وضعوه في منزل مبني من الطين في مزرعة ثم نقل الى في سيارة نقل بعد ان وضعوا غطاءاً فوقه ، ويقول ان الرحلة الثانية قطعت مسافة (250 كلم ) ووضعوا ياسر في منطقة تسمى المخازن حيث يوجد فيها عشرات الضحايا .
ويقول الشاهد ، أن ياسر وصل إلى المكان الذي تفوح منه رائحة الدم ، جاءه ثلاث شبان تتراوح أعمارهم ما بين (15-16 ) عاماً وقاموا بجر ياسر من السيارة مثل الذبيحة من أحدى رجليه حتى سقط على وجهه ولم يكتفوا بذلك ، بل استمروا في سحله على الأرض لمسافة (20 ) متراً وتم وضعه في غرفة تحت الأرض لها غطاء حديدي ويبدو أنها كان يستخدم كحوض لتخزين المياه ، ويضيف شاهد العيان: عند نزول ياسر إلى هذه الغرفة المظلمة ، احتك جسمه مع أجسام أخرى ووقع فوقهم ، كانت اعداد كبيرة من الاريتريين والسودانيين ، أكثر من 24 في الغرفة، كانوا يئنون من والألم بسبب التعذيب ودرجة الحرارة المرتفعة ، ويقول ان ياسر تعرض للتعذيب عدة ايام بعدها تم نقله الى مكان قريب في منزل به ثلاث غرف مظلمة جاءهم رجل وطلب منهم الاتصال باسرهم في السودان وارتريا يطلبون منهم دفع مبالغ مالية تصل نحو (10 ) الف دولار ، ويضيف ( اعطوهم هواتف تحمل خط هاتف اسرائيل وتم اجراء الاتصال بالاهل رغم فقرههم طلبنا منهم تجهيز تلك الاموال والمبلغ الذي استطاعوا جمعه بعد ان باعوا كل الممتلكات ومن الاقارب والاهل حوالي (4 ) الف دولار ) ، ويتابع ( غير ان هذه العصابة استمرت في التعذيب وكانت تتصل بالاهل ليسمعونهم اصوات الصراخ ) ، ويقول ان المجرمين وضعوا مادة كيمائية في جسد ياسر على جسده جعلت ما حول بطنه يذوب ، ويشير الى ان اسرته ارسلت (4 ) الف دولار اخرى ، ويقول ( بعدها اغمى على ياسر واعتقد المجرمون انه فارق الحياة فقاموا بوضعه في منطقة صحراوية ولم يفق ياسر الا في المستشفى ) .
ويسرد الشاهد القصة بان احد الاصدقاء اتصل عليه وقال انه عثر على شاب ( اسمر ) وصل المستشفى وحالته متأخرة جراء الاصابات ولاول مرة ارى هذا النوع من التعذيب وقد فارق الحياة بعد ساعتين من لقائي معه ) .
وفي قصة مأسوية اخرى هذه المرة عن تجارة الاعضاء البشرية ، وهي تجارة يعمل بها سماسرة مهمتهم توصيل الضحية بعد اغراءه بالآف الدولارات ، لكن في نهاية المطاف يجد الضحية مبالغ زهيدة للغاية ، مثلاً سعر الكلى قفزت الى (45 ) الف دولار ، بينما تنال الضحية حوالي (5 ) الف دولار ، ويحدثنا الشاب محمد الذي طلب اعطاء اسمه الاول لشبكة ( عاين ) انه تعرض لعملية استغلال من اقرب الناس اليه ، ويضيف انه وصل الى القاهرة بغرض الهجرة الى اوربا او الولايات المتحدة الامريكية واستراليا عبر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في مصر ، ويشير الى انه منح حق اللجوء بعد ان تعرض لانتهاكات في السودان من مليشيات الجنجويد ، ويضيف ان الاهل والاصدقاء لم يتحملوا بقاءه معهم بسبب عدم امتلاكه للمال وانه فكر في الهجرة غير الشرعية الى ايطاليا عبر المراكب وان الرحلة تحتاج حوالي (4 ) الف دولار ، ويقول ( اقنعني احد السماسرة ببيع كليتي بهذا الملبغ وبعد ان بيعتها لم استلم كامل الملبغ وضاع مستقبلي ولكنني افضل حالا من اخرين اصبحوا مدمنين واخرين مرضى بحالات نفسية ) .
ويقول احد الاطباء السودانيين يعمل في منظمة دولية غير مسموح له بالادلاء باي معلومات للاعلام ان منظمته لديها عيادات للعلاج والتأهيل النفسي وتتعاون مع عدد من المستشفيات في القاهرة لتقديم العلاج مجاناً، ويضيف ( نستقبل يومياً مابين (20ـ 25) شخص من جنسيات مختلفة يعانون من مشاكل نفسية واكثر الضحايا من دولة جنوب السودان ثم أريتريا ، الصومال، السودان، تشاد، جيبوتي ونيجريا ) ، ولكن الغريب في الأمر ـ حسب محدثي ـ أن غالبيتهم يحملون جوازات سفر سودانية رغم انهم من دول اخرى ، وهم يقيمون بالقاهرة لفترات مابين (5- 6) اعوام ، ويشير الى ان أعداد النساء اعلى من الرجال، بينما بدأت تظهر حالات إنتحار في اوساط السودانيات ، ويقول ( إستقبلت عيادة المنظمة إمرأة سودانية حاولت الإنتحار بتعاطي جرعة زائدة من الحبوب ) ، وينوه المصدر إلى أن معظم السودانين قدموا من مناطق النزاعات المسلحة “دارفور ، جنوب كردفان والنيل الأزرق” ، ويشير إلى أن بعض الحالات التي وصلت إليهم هم ضحايا الإتجار بالبشر، والبعض الآخر تعرض لظروف قاسية جراء الإحتيال والإبتزاز من قبل بعض العصابات للحصول على مال من أهاليهم، ويقول ان معظمهم دخل عن طريق التهريب عبر سيناء وأجبروا على نقل أعضائهم البشرية ومن نجا منهم مصاب بحالة نفسية سيئة جراء ماشاهده من تعذيب وفقدان أحد أصدقائه بعد نزع أكثر من عضو من جسمه كذلك حالات إغتصاب لعدد من الفتيات.
ومن الحالات التي تحضر الى المنظمة ان غالبيتهم يعانون من أزمة نفسية جراء فقدأن أحد أفراد الأسرة “زوجة، أخ، أخت، إبن” تعرضوا لعملية خطف من عصابات الإتجار بالبشر، لينزعوا منه أعضاؤه البشرية ( كلية، رحم، شبكية وبنكرياس)، غير أنه يرى بأن الكثيرين يذهبون بمحض إرادتهم لبيع الكلى بمبلغ يتراوح ما بين 5 ـ 10 آلف دولار ، بعد أن يدب فيهم اليأس بسبب طول فترة اللجوء وتوقف إعادة توطين من قبل مفوضية اللاجئين، حيث يعرضون بيع ( الكلى ) ويفضلون ركوب الصندل والتوجه إلى إيطاليا عبر التهريب وكثيرون يتعرضون للغرق في البحر ويصبحون ( لقمة ) لاسماك القرش , ويضيف ان بعضهم لا يقبض ثمن كليته التي باعها ويدخل في حالة نفسية سيئة وان المنظمة احيانا تستقبل شخصين من اسرة واحدة ، ويقول ان السلطات المصرية لم تقبض على عصابات الاتجار بالبشر ولا توجد جهود حقيقية للحد منها كما لا توجد قوانين رادعة على الجناة ، وقد وصل عدد ضحاياها الى (23 ) مليون في العالم
.ويقول ناشط حقوقي أن تجارة الأعضاء أضحت تجارة عالمية تدخل فيها دول مثل أمريكا وأوربا يبيعون أعضاء البشر كقطع غيار، حيث بلغ سعر الكلية (40) الف دولار في مصر ، وعالميا يصل الي (160) الف دولار والفارق يدخل فيه السماسرة والمتاجرين بالبشر ، فيما يتراوح سعر البنكرياس من (30 ـ 80) الف دولار ، الرئة (60) ألف دولار، والكبد (50) ألف دولار ، أطقم الأسنان مابين (20ـ 25 ألف دولار )، بينما يصل سعر الشبكية (30) ألف دولار والرحم (60) ألف دولار إضافة إلى أن الخصية الواحدة (45) ألف دولار.
يقول مدير منظمة الجيل الجديد حمدي العزازي أن الأفارقة الفارين من بلدانهم عبر السودان ، أُثيوبيا واريتريا ، يقعون ضحايا شبكات الاتجار بالبشر التي تبدأ من قبيلة الرشايدة في شرق السودان وتمتد الي داخل الي أسرائيل الى جانب شبكات أخري في كل من أمريكا وأوربا، ويضيف أن حجم المتسللين الي أسرائيل من تلك الدول بلغ (30) الف شخص خلال الثلاث سنوات الماضية غير أنها توقفت الآن نهائياً بعد دخول الجيش المصري وضرب أوكار المجرمين وتعقب الجناة ، ويشير إلى أن الجناة كانوا يطلبون فدية من أهل الضحية تصل الي (30) ألف دولار ويمارسون جرائم الإغتصاب والقتل، مؤكداً أن أكثر من (550) فقط سقطوا قتلي في سيناء العام الماضي.
من جهته يقول محمد مطر بشارة منسق مركز السودان لدراسات المعاصر في القاهرة أن هنالك شبكة تضم مسؤولين في مصر والسودان يتعاونون في جريمة الإتجار بالبشر ، بينما يشير إلى أن الجريمة داخل مصر وليست خارجية ، ونبه إلى أن المتسللين الي إسرائيل لاتجري لهم عمليات نقل أعضائهم البشرية جميعهم يعيشون في سلام ، غير أنها تتم داخل المستشفيات المصرية والمملكة الاردنية مؤكداً بوجود وثائق بأسماء المستشفيات والاطباء.